التعاون السعودي السوري- بناء اقتصاد قوي لسورية الحديثة
المؤلف: حمود أبو طالب08.23.2025

لا تزال أصداء الزيارة التاريخية التي قام بها وفد سعودي رفيع المستوى من رجال الأعمال، بقيادة وزير الاستثمار، إلى الجمهورية العربية السورية تتردد بقوة في أروقة وسائل الإعلام المختلفة، وذلك لأن هذه الزيارة لم تكن مجرد لقاء بروتوكولي عابر لتسجيل الحضور الشكلي، بل كانت زيارة عمل جادة ومثمرة، تركزت على إنجازات ملموسة في مجالات استراتيجية وحيوية، تهدف إلى استغلال الموارد الثرية والمقومات المتميزة التي تزخر بها سورية الغالية، وذلك بهدف تحويلها إلى دولة عصرية متطورة تنعم باقتصاد راسخ وقدرات تنافسية عالية على الصعيد الإقليمي.
دعونا نتناول هنا مفهوم التعاون العربي الوثيق والعمل المشترك البناء، وهو الشعار الذي لطالما سمعناه يتردد باستمرار في الخطابات الإعلامية والسياسية العربية منذ زمن بعيد، ولكن ترجمة هذا الشعار إلى واقع ملموس لا يزال دون المستوى الذي تتطلع إليه الشعوب العربية الشقيقة. لطالما امتلكت المملكة العربية السعودية رؤية فريدة وتطبيقاً مميزاً لهذا المفهوم النبيل عبر تاريخها الزاهر، تطبيقاً عملياً وحقيقياً وصادقاً، وصل في بعض الأحيان إلى ربط مصيرها بمصير أشقائها الكرام، ونتذكر هنا بكل فخر واعتزاز مقولة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) الشهيرة خلال أزمة احتلال دولة الكويت الشقيقة: "إما تبقى المملكة والكويت معاً، أو تذهبان معاً". ونحن اليوم نعيش ما يمكن أن نطلق عليه "التجربة السعودية السورية" الرائدة في مجال التعاون المثمر، حيث وضعت المملكة العربية السعودية كل ثقلها السياسي الكبير خلف سورية الشقيقة، بل أمامها، منذ بداية الانفراجة المباركة فيها وقيام دولة جديدة أكدت بكل وضوح رغبتها الصادقة في إعادة سورية إلى محيطها العربي الأصيل، فقد بادرت المملكة بحراك تاريخي غير مسبوق لدعم سورية العزيزة، لترسيخ أركان دولتها وتعزيز استقرارها وتمكينها من الخروج من أزماتها المعقدة والمتراكمة. لقد كانت مفاجأة مدوية للعالم أجمع حين شاهدوا الرئيس السوري يلتقي بالرئيس الأمريكي بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله في العاصمة السعودية الرياض، يحمل هذا اللقاء في طياته دلالات بالغة الأهمية ونتائج عظيمة، أهمها على الإطلاق رفع العقوبات الاقتصادية الجائرة عن سورية الحبيبة، لتبدأ دماء الحياة بالتدفق من جديد في شرايينها.
وخلال فعاليات منتدى الاستثمار السعودي السوري، أصدر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمره السامي بتشكيل مجلس التنسيق السعودي السوري، وذلك بهدف تفعيل كافة أوجه الدعم والمساندة لسورية الشقيقة، بعنايته الكريمة ورعايته المباشرة، وفق رؤية جلية المعالم وتصميم راسخ لبناء سورية الحديثة القوية اقتصادياً والمستقرة سياسياً. إننا نتحدث هنا عن صيغة استثنائية ومفهوم فريد للتعاون العربي لدى المملكة العربية السعودية، ليست مجرد صيغة إنشائية جوفاء خالية من المعنى الحقيقي، أو مفهوماً شعاراتياً براقاً للاستهلاك الإعلامي في البيانات الرسمية، وإنما هو إيمان راسخ بحتمية التعاون الوثيق وترجمة هذا الإيمان إلى أفعال ملموسة وبرامج عمل واقعية ومجدية.